الأربعاء، يوليوز 05، 2006
طقس الأضرحة والأولياء اليهود بالمغرب
طقس الأضرحة والأولياء اليهود بالمغرب من خلال كتاب
LE CULTE DES SAINTS ET PELERINAGES JUDEO-MUSULMANS AU MAROC
ISSACHAR BEN-AMI
مقدمة:
هذا الكتاب هو النسخة الفرنسية للأصل العبري، وهو عبارة عن واحد من سلسلة الكتب التي أصدرها
ISSACHAR BEN-AMI
وقد تم نشر هذه الترجمة سنة 1990. وهو حصيلة عمل ميداني استمر لمدة 15 عاما، أنتج لائحة مهمة لأولياء اليهود بالمغرب، والتي تصل إلى ست مائة واثنان وخمسين وليا، بينهم خمس وعشرون امرأة. هذه الدراسة ليست بحثا تاريخيا، كما أنها ليست سيرة لحياة الأولياء، وليست دراسة اجتماعية أو حتى نفسية، وهي لا تتطرق لعلم الأديان بصفة مباشرة، إنما هي عبارة عن دراسة فولكلورية وصفية لظاهرة مهمة وهي طقس الأضرحة والأولياء الممارسة حتى يومنا هذا من قبل يهود المغرب.يمكن اعتبار هذا الكتاب خريطة جغرافية لأماكن الحج* اليهودية بالمغرب، إضافة إلى توفره على معلومات كافية حول أولياء اليهود أو ما يسمونهم بالصِّدِّيقِين، وكذلك معلومات حول الأفكار والمفاهيم والعادات والاعتقادات الخاصة بالهيلولة*، إلى غير ذلك من المعلومات الهامة التي يزخر بها هذا الكتاب، والتي سنحاول طرحها فيما سيأتي. هذا ودون أن نغفل الإشارة إلى الببليوغرافيا الغنية التي اعتمدها BEN-AMI، والتي يصعب على الباحث الإطلاع عليها إلا من خلال هذا الكتاب (انظر الملحق ). وأما منهج هذه الدراسة فهو بالأساس معتمد على الشهادات الشفوية، وذلك راجع إلى فقر وقلة الوثائق المكتوبة، مما يجعل الرواية الشفوية والملاحظة حلقتين أساسيتين من حلقات هذا البحث. وفيما يخص سبب هذا البحث، فإن السبب المباشر هوالهجرة المكثفة لليهود خارج المغرب مما يجعل كثيرا من العادات والطقوس تكاد تختفي، ومنها طقس زيارة الأولياء.إن الشهادات المعتمدة في هذا البحث هي شهادات مختارة من بين 1200 شهادة، وهي عبارة عن قصص شعبية ، حكايات، وخوارق منتشرة بين أغلب يهود المغرب، أو أحلام شخصية ، أو وصف لنمط الحياة خاصة أثناء الزيارة أو عبارة عن عادات تاريخية....وأما الصعوبات التي واجهت الباحث فهي ناتجة عن جنينية هذه الدراسة وندرة المؤلفات حول الظاهرة، مما دفع المؤلف إلى الاعتراف بأن هذا البحث لم يغط جميع المظاهر المرتبطة بهذا الطقس، مما يؤكد ضرورة متابعة البحث في هذا المجال وأهميته لفهم عادات يهود المغرب وثقافتهم، والذي يؤدي بالضرورة إلى فهم اليهودية عامة..
وفيما يلي عرض مختصر لتصميم هذا البحث بحسب ما اعتمده الكاتب:
تصدير بقلم الدكتور حاييم الزعفراني يشيد فيه بأهمية هذا الكتاب وقيمته العلمية.
مقدمة عامة
الفصل الأول: اصطلاحات حول الأولياء، والمفردات التي تطلق عليهم
الفصل الثاني: أوجه وأشكال تكريس الولاية لشخص ما.
الفصل الثالث: المظاهر الطبيعية المرافقة والمحيطة بالضريح.
الفصل الرابع: الولاية وانتقالها عبر: علاقات القرابة والنسب وكذا طول الصحبة والملازمة.
الفصل الخامس: الخوارق والمعجزات المسندة للصديقين
- الفصل السادس: الهيلولة والزيارة
- الفصل السابع: أغاني وقصائد الهيلولة.
- الفصل الثامن: يهود ومسلمون أمام ظاهرة الأولياء.
- الفصل التاسع: أماكن مقدسة مشتركة بين اليهود والمسلمين: تعايش ثقافي
.- الفصل العاشر: خاتمة تحدث فيها عن: - بعض النظريات التي درست ظاهرة الأضرحة والمزارات؛
- بعض معايير ترتيب الأولياء إلى: ولي محلي، وآخر إقليمي أو جهوي، وثالث وطني
؛- التوزيع الجغرافي للضرائح: إحصائيات وتعليقات؛- الحج الأكبر أو الموسم: حدث ديني واجتماعي؛- بعض العادات السيئة أثناء الزيارة؛- البعد الروحي للطقس؛- بعض التصورات المتعلقة بالظاهرة عند يهود المغرب.
- الفصل الحادي عشر: بعض الصديقين اليهود بالمغرب: حكايات وأساطير.
- جدول للمفردات الصعبة
- لائحة بأسماء الصديقين اليهود بالمغرب وأماكن تواجدهم.إن طقس زيارة الأولياء عند يهود المغرب منتشر بكثرة بين شرائح المجتمع اليهودي المغربي، ويبقى هذا الطقس سمة ثقافية مميزة له. فمن خلال هذا الكتاب حاول ما أمكن الكاتب الإحاطة بالظاهرة من جميع جوانبها، التاريخية والنفسية والدينية والاجتماعية..، وسأحاول عرض مضامينه بحسب ما جاء في فصول هذا البحث.
- الألقاب الخاصة بأولياء اليهود بالمغرب:
- الصديق saddiq ، saddiqim el’azaz مثل saddiq azrou ، saddiq ‘ayn diab
الرابي rabbi أو rab والتي تعني سيدي.
- حاخام والتي تعني الحكيم - Moul والتي تعني صاحب أو سيد مثل moul taourirt والتي تعني سيد الهضبة،moul el karma ، moul djbel el kbirفنجد: Rabbi. Yishaq yisra’el Ha Levi : Moul el Barj R. Makhluf Ben Yosef : Moul el QantraR. Eliyahu : Moul el Blad
- مولاي moulay، وهو قليل الاستعمال بالمقارنة مع الألفاظ الأخرى، ويحمله ستة أولياء يهود بالمغرب، وهم:Moulay Ighi, Moulay Inguird, Moulay Ya’qob, Moulay Sedra, Moulay Tabia et Moulay Tamran.
- أما syadna- sidna- siyyid فغالبا ما تستعمل مقرونة باسم ولي معين، مثلSiyyid el Yahud أو Sidi Mussa أو Sidi Brahim.-
ويفضل اليهود استعمال اللفظ العبري العربي " بابا " ، ويستخدمونه بالخصوص لأحفاد الرابي يعقوب أبي حصيرة والرابي داود بن باروخ.أما الأولياء من النساء فتستعمل لهم ألفاظ مثل:
- الصِّديقة saddiqah مثل Solica Ha Saddiqah.
- استعمال لفظ لَـلاَّويمكن أن تقترن اللفظتان معا مثلLalla Myriam Ha Saddiqah.
- استعمال لفظة Imma والتي تعني أم مثل Imma Esther.
- استعمال كلمة Sitti والتي تعني سيدتي مثل Sitti Ben Sasso.
كما نجد كلمات أخرى تنضاف إلى سابقاتها، كالعْزيز والسْبَع، وكلمة البربرية والتي تعني الكبير وهي لا تقرن إلا بمشاهير الأولياء مثل الرابي داود بن باروخ الكوهن والرابي بنحاس الكوهن.asogh
نشأة وتكريس ولاية الصديق:
إن هذه المسألة غاية في التعقيد، إذ أنه من الصعوبة معرفة الكيفية التي انتقل بها الشخص من إنسان عادي إلى ولي له كرامات وخوارق، سواء في حياته أو بعد مماته، وسواء كان الشخص موجودا فعليا أو متخيلا. فيذكر أن أغلب هؤلاء وصلوا إلى درجة الولاية في حياتهم عبر سلوكهم القويم أو علمهم الغزير، وقليل ما هم، وبعض الأولياء هم عبارة عن أساطير أو خرافات لا وجود لهم أصلا.ويحدد المؤلف أن الطرق التي تؤدي إلى الولاية كثيرة منها: فعل الخوارق، المثالية في السلوك والحياة، التجلي عبر الرؤى.وجاء المؤلف في كل طريقة من هذه الطرق بأمثلة حية، نذكر منها:
فعل الخوارق: كمعالجة بعض الأمراض المستعصية، والمشي فوق الماء مثلما فعل الرابي يعقوب أبي حصيرة، أو إيقاف الفياضانات مثلما فعل الرابي أليعازار دافيلا.
المثالية في السلوك والمعاملات: كالصوم والاستقامة وأعمال الخير والتصدق. مثل الرابي أليعازار الكوهن الذي لم يكن يقطع صومه إلا مرتين في العام( السبت و رأس السنة).
مدارسة التوراة مع النبي إيلي. مثل الرابي داود بيريس والرابي حاييم طوليدانو والرابي حاييم بنتو.. وغالبا ما تكون هذه المدارسة بعد منتصف الليل. ويروى أن الرابي بيريس الذي اختفى لمدة أسبوعين ، كان قد صعد إلى السماء بدعوة من النبي إيلي
. فعل أعمال الخير مثلما كان يفعل الرابي حاييم بينتو الكبير الذي كانت له عادة إخراج المال للمعوزين كل إثنين وخميس.
- الأخلاق العالية والحياء مثل الرابي أليعازار الكوهن الذي كان ستحيي من النظر إلى النساء، حيث كن يتجنبن المرور من أمام بيته عندما
يكون جالسا أمام الباب.
6- تجلي الولي عبر الرؤيا: أغلب الاولياء يندرجون تحت هذا الصنف، وغالبا ما يعطى لهؤلاء الأولياء المجهولي السيرة أصولا قديمة تمتد إلى الأرض المقدسة.في هذه الرؤى يكشف الولي عن شخصه ويطلب من الأوفياء المجيء إلى مكان دفنه، أو يطلب منهم بناء ضريح على قبره، إلى غير ذلك من أنواع التجلي.وينتقل المؤلف بعد ذلك للإشارة إلى مسألة مهمة وغريبة في نفس الوقت وهي تجلي الصديق اليهودي لشخص مسلم، مثلما تجلى الرابي دافيد الاشكار لحارس مسلم بمقبرة الدار البيضاء.
المظاهر الطبيعية المرافقة للضريح:
بعد ذلك ينتقل في الفصل الثالث للحديث عن المظاهر الطبيعية المرافقة للضريح (كالاشجار والاحجار والينابيع والشلالات والمغارات ..) والتي ترتبط بشكل حميمي مع الضريح.إن أصول الارتباط بين الضريح والأشجار والأحجالر والينابيع والمغارات ضاربة في القدم، وقد تغيب عن إمكانية إدراكنا لها، ومن خلال هذا البحث يطرح الباحث أمثلة عن بعض الطقوس التي ترتبط بهذه المظاهر الطبيعية المجاورة للضريح زيارته، مثل إشعال الشموع فوق الأحجار والصخور المحيطة به، أو الاغتسال بمياه العيون والوديان المتواجدة بجانبه، أو تعليق بعض الملابس الداخلية وقطع من الثوب على الأشجار المجاورة له.وقد حصل أن لُـقِّبَ بعض الصديقين اليهود بأسماء بعض هذه الأشياء مثل:
Moul Djebel el Kebir/ Moul Shajra
شرف الانتساب للولي
وتحدث الباحث في كتابه عن علاقات القرابة والنسب التي تربط الولي بعائلته، وكيف أن هذه القرابة تنقل شرف الانتساب إلى هذا الولي أو ذاك، كما تطرق للأولياء الذين تربطهم علاقة الأخوة مثل "أولاد زمور" بآسفي، وآخرين تربطهم علاقة الأبوة مثل "الرابي عمرام بن ديوان" وابنه "حاييم بن ديوان"، وعلاقة الجد وحفيده. كما توجد ولاية مشتركة بين الزوجين مثل "الرابي إلياهو" و"للا سعادة" و"الرابي حاييم الكوهن" و"للا كوهن".ويشير المؤلف إلى نوع آخر من القرابة وهي قرابة معنوية، تجمع الصديق بمريديه وتلامذته، بحيث نجدهم مدفونين جنبا إلى جنب
تتمة المقال هنا
للمزيد من المعلومات حول اليهود المغاربة و تاريخهم
الكتاب العبريةالكتاب بالانكليزية
الأمازيغية والموروث الثقافى اليهودي أمام التطرف العربي
المغرب غني بكل مكوناته، وهو ما ينبغي أن يكون مبعث الفخر والاعتزاز للمغاربة أينما حلوا وارتحلوا. المغرب غني بكل مكوناته،وهذا الغنى يحتاج إلى العناية والاحتضان. إنه مشروع ثقافي يستوجب تضافر جهود الجميع،حتى لا نستفيق يوما أمام هول كارثة الضياع. ضياع ما يميزنا، التمييز الإيجابي، عن بقية الأمم والشعوب.عودة إلى التاريخ: لم تنجز الكثير من الدراسات والأبحاث التاريخية حول الأمازيغية اليهودية.
ويرجع البعض سبب هذا النقص إلى أن اليهود الأمازيغ لم ينجبوا نخبة مثقفة تهتم بهذا الموروث وتزيل عنه غبار التهميش والنسيان كما هو الشأن بالنسبة للمكونات اليهودية الأخرى. ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن بعض الأبحاث القليلة ـ بالنظر إلى شساعة الموضوع ـ قد أنجزت على شكل أبحاث جامعية ومقالات تحليلية من قبل بعض الفعاليات الأمازيغية التي تعتبر أن الموروث اليهودي يعتبر تجليا من تجليات الثقافة الأمازيغية وبأن إعادة الاعتبار إلى المكون الأمازيغي لا يمكن أن يتحقق في شموليته إلا بالحفاظ على البعد اليهودي والنهوض به.وعلاوة على الأبحاث والدراسات الجامعية التي ينبغي جمعها وإنقاذها من الضياع وإخراجها من الرفوف، فإن الكتابات التي راكمها الأستاذ حاييم الزفراني،قد مكنت من توفير الأرضية الممهدة لتنقيب سيمكن من إزالة الغبار عن جزء غني من المكون الأمازيغي.وبالرغم من اتفاق الباحثين على استيطان اليهود بشمال إفريقيا منذ القدم، إلا أن التحديد التاريخي للبداية أمر ما يزال يكتنفه الغموض. ومن المتخصصين في المجال من يرجع بداية استقرار اليهودية بالمغرب إلى القرن 10 قبل الميلاد، زمن حكم الملك سليمان الذي أرسل مجموعة من التجار للبحث عن الذهب في السودان عن طريق الصحراء. وبعد ما يقارب خمسة قرون، وحين تعرض هيكل سليمان للتخريب من قبل نبوخدونصر ملك بابل، فر بعضهم للالتحاق بإخوانهم في الصحراء.
ومهما يكن، فإن التاريخ يؤكد أن اليهود هم أول شعب استقر بالمغرب وفي أراضيه بدون حرب أو خلفية استعمارية.وقد انتشر الدين اليهودي بين قبائل المغرب إلى جانب الدين المسيحي، بحيث تعددت القبائل المغربية التي اعتنقت الديانة اليهودية وعرف المغرب مماليك يهودية، مثل تلك التي أنشئت بدرعة. ولا ينفي سيمون ليفي هذه القناعة ـ وإن لم يؤكدها كذلك ـ في كتابه حول تاريخ وحضارة اليهود بالمغرب (منشورات طارق بن زياد) عندما يعتبر بأن احتمال دخول بعض القبائل الأمازيغية في اليهودية قبل الإسلام أمر أقرب إلى الصواب. ورغم أن المسألة ما يزال يكتنفها الأخذ والرد، فإن المؤكد هو وجود ورشة يهودية لضرب النقود بتودغا (تنغير حاليا) في نهاية القرن 8 الميلادي.وكانت سجلماسة، آنذاك، هي ملتقى القوافل التجارية بين الشمال والجنوب.من يحمي هذا الموروث؟: اعتمادا على الأرقام التي أوردها سيمون ليفي في كتابه، واستنادا إلى إحصائيات1960، نجد أن عدد المغاربة اليهود وصل إلى 159805 نسمة في مجتمع بلغ 11 مليونا في ساكنته. وفي سنة1967 لم يبق من هذا الرقم سوى ما يناهز60000 إلى70000 نسمة. وبعد ذلك انخفض الرقم ليصل الى40000 نسمة.وقد استمر في الانخفاض في السنوات اللاحقة، ليصل إلى ما يقارب 20000 سنة1975.
ويشير الأستاذ حاييم الزفراني إلى أن تنغير، على سبيل المثال، خلت من يهودييها كلية منذ1979. أما منطقة الجنوب الشرقي عموما فهي لا تحتفظ إلا ببعض الأسر اليهودية فقط وذلك في بلدة الريش التابعة لإقليم الراشيدية.واليوم، فإن الذين رحلوا يبلغون بمعية أسرهم في إسرائيل ما يقارب 400000 نسمة وفي فرنسا يصلون إلى80000 و20000 في كندا وما بين 10000 إلى 15000 بالولايات المتحدة الأمريكية. ويقيم الآلاف منهم في فنزويلا وفي أمريكا اللاتينية.وحسب سيمون ليفي، فإن الكثير من العناصر كانت وراء الهجرة. فهناك الحركة الصهيونية، وهناك التثاقف المرتبط بفرنسا، وهناك تبعات الهزات الاقتصادية ثم التخوفات المرتبطة بالانعكاسات المحتملة للصراع العربي الإسرائيلي.
ومهما يكن فإن فترات الهجرة خلفت الإحساس بما يشبه النزيف سواء من قبل المكون اليهودي أو من قبل المكون المسلم.لقد ترك المغاربة اليهود موروثا غنيا يشكل كذلك خصوصية المغرب. وبات الحفاظ عليه أمرا لا يقبل التأجيل. وكل تحايل على الإنقاذ من الضياع لا يمكن إلا أن يلحق الأضرار الجسيمة بالهوية الوطنية.اليهود الأمازيغ: توزع اليهود الأمازيغ في المغرب بين الأطلس المتوسط وسوس والصحراء وبعض مناطق الريف. وتعتبر الأمازيغية لغتهم الرئيسية. وحسب الأستاذ حاييم الزفراني، فإن هذه الفئة تمتاز بغنى موروثها الشفوي والأدبي. وهو يسجل في نفس الوقت بأن الدراسات التي أنجزت حولها قليلة جدا.وقد أنشأ اليهود منذ وصولهم إلى الجنوب، مدينة سموها القدس الصغيرة، وهي على شاكلة المدينة المفقودة. وهذه المدينة هي إيفران الأطلس الصغير.كما استقروا بواد درعة. وقد وصلوا إلى هذه المنطقة في عهد النبي سليمان. وبعد صراعات متتالية مع سكان المنطقة حول وادي درعة، استطاعوا الاستيلاء على الأرض.
فتمت السيطرة على درعة الشرقية، وذلك حوالي القرن الخامس قبل الميلاد وأنشأوا فيها مملكة قوية، واعتمدوا في اقتصادهم على استغلال المناجم لتتصدر بذلك هذه المملكة مكانة في الاقتصاد القديم.وقد استمر الوجود اليهودي بدرعة حتى بداية الاستقلال، حيث هاجروا نحو المدن الكبرى ونحو خارج المغرب. ففي تودغى، بالخصوص، وإلى حدود1969 لم يبق أي يهودي في دوار أسفالو وتاوريرت. وبقي أفراد منعزلون في تنغير ينتظرون إشارة المغادرة، بعد تجميد أنشطتهم وبيع أثاثهم. وما تبقى الآن هو ما احتفظت به الذاكرة الجمعية للسكان.وتحتفظ سجلماسة بحضور تاريخي يهودي مهم.
وتؤكد جل الدراسات التاريخية التي تناولت الموضوع على أن اليهود ساهموا بوفرة في بناء اقتصاد المنطقة وقد عرفت عالميا باعتبارها ملتقى القوافل التجارية مع بلدان ساحل النيجر ووسط افريقيا، ومع مصر والهند. وقد أشار سيمون ليفي إلى أن سجلماسة كانت تستقطب تجار العالم الإسلامي في مجموعه وضمنهم اليهود. وهذا الموقع الذي تحتله هو الذي جعلها أرض استقرار لليهود.أما تنغير فقد كانت منطقة التعايش بامتياز. وبرحيل اليهود ساد الفراغ جزءا مهما من هويتها وتضرر اقتصادها.والمشكل هو أن الكارثة بدأت تحل. فالموروث اليهودي بدأ يتلاشى ولا أحد يتحدث. وكأننا نعيش حالة من التواطؤ. لقد تحولت المقابر اليهودية، وسط البلدة، إلى أراض جهزت لتبنى عليها الدور السكنية. والمدارس اليهودية تحولت إلى مقرات لأبناك. والدور التي سكنها اليهود أصبحت عرضة للضياع أمام عوامل الطبيعة التي لا ترحم. وهي نفسها الأوضاع المتردية التي يعيشها الموروث المغربي اليهودي في مختلف المناطق التي سكنها وبصمها ببصماته الخاصة.ويصعب تحديد تاريخ استقرار اليهود بالمنطقة نظرا لانعدام الوثائق.
ومن أهم الدواوير التي سكنها اليهود، يمكن أن نشير إلى دوار أسفالو الذي يعتبر من أكبر القصور التي آوت اليهود. وبعده مركز تنغير الذي كان في البداية مجرد دوار كبقية الدواوير. إلا أن موقعه الجغرافي (وسط المنطقة) جعله يتحول إلى مركز للمنطقة بأكملها.كما استقروا بدوار أيت أورجدال بالإضافة إلى دوار تاوريرت والذي لم يبق فيه أي أثر لليهود بعد سنة1920.وكان وراء استقرار اليهود بالمنطقة عدة عوامل. وأهمها العامل الاقتصادي. فالمنطقة عبارة عن واحة تنتج محاصيل زراعية كانت مهمة. كما أن وجود منجم الفضة بالمنطقة اعتبر عنصرا جذابا لاستقرار اليهود بمداشرها. يضاف إلى ما سبق، موقعها الإستراتيجي للتبادل التجاري مع إفريقيا في إطار تجارة القوافل. كما أن طبيعة أهل المنطقة المسالمين كان لها دور أساسي في هذا الاستقرار.العنف الرمزي: في مقال له حول جذور الإرهاب في المغرب: الجابري والذاكرة الانتقائية في البحث عن جذور الإرهاب بالمغرب (تاويزا عدد84 ـ أبريل 2004 )، يعتبر عبد السلام خلفي بأن العنف الرمزي الذي تم تسليطه على اليهود المغاربة من طرف الوطنيين، تحول في مراحل تالية إلى عنف مادي مارسته آليات العنف الحزبي ووجدت فيه الحركات المتطرفة اليوم الغذاء الروحي عن طريق الإعلام والتعليم لمواصلة الإرهاب ضد إخوة لهم في المواطنة والتاريخ والمصير المشترك.
وتساؤل الأستاذ خلفي، في نفس المقال، عن الأسباب الحقيقية لتراجع عدد اليهود بالمغرب من حوالي 450 ألف نسمة إلى حوالي خمسة الآف له ما يبرره لأن المسألة تتعلق بمكون أساسي وتاريخي من الهوية الوطنية.فهل لهذا التراجع ـ يتساءل خلفي مرة أخرى ـ علاقة بنوع الغذاء المدرسي والإعلامي الذي كانت الحركة الوطنية حريصة على تقديمه لأبنائنا الذين طالهم التهميش والتعريب فتحولوا، في مراحل لاحقة، إلى أدوات صغيرة في أيدي إرهابيين كبار تتلمذوا على يد أئمة كره الآخرين واعتبار العرب (والمسلمين) أفضل الناس جميعا؟ الجواب لن يكون إلا بالإيجاب. والسؤال في العمق هو استنكاري وهو في حد ذاته جواب.لماذا ستمتلئ بهم مخيمات الدار البيضاء بعد سنة1958، باحثين عن قارب يحملهم إلى أرض لم يعرفونها ولم تشكل أوعاءهم الجماعية… وتاركين وراءهم أموالهم، ومنازلهم، ومقابر أجدادهم، وأوليائهم، وكل ما يشدهم إلى ماضيهم، بل ومغامرين بأرواحهم، كما وقع للسفينة التي غرق على متنها حوالي أربعة وأربعون يهوديا سنة1961 بعد الزيارة التي قام بها جمال عبد الناصر إلى المغرب؟… وبخصوص الرد الذي أجاب به السيد محمد الحمياني، مدير الشؤون السياسية في وزارة الداخلية، السيد دافيد عمار، يوم 4 يوليوز1957، [عندما ذهب إليه هذا الأخير لينقل إليه قلق المجموعة اليهودية، فكان أن رد عليه المدير قائلا:“لقد فكرت كثيرا في هذا المشكل، وتساءلت مع نفسي عن الفريق الذي يمكن لي أن أنحاز إليه: هل هو فريق70 مليون من العرب، أو 240000من الرعايا الإسرائيليين، فهو غير قابل لأي تأويل.
إنه لا يحتمل إلا تفسيرا واحدا يوضح الأسباب والدوافع الرئيسية التي كانت وراء هجرة اليهود.لقد هاجر إلى إسرائيل، في غضون سبع سنوات، أي منذ 1948 إلى1955، حوالي 75000 يهودي مغربي مقابل ما يقارب الألف من 1912 إلى 1947. ثم إنه لما حصل المغرب على الاستقلال اتخذت الحركة لها مظهر هجرة جماعية: ف60000 من المرشحين للهجرة تم تسجيلهم بمكاتب كاديما(إلى الأمام) في حين أن 20000 كانوا يتوفرون على جوازات سفر منحتها لهم سلطات الحماية، والتي حاول حزب الاستقلال بلا جدوى أن يلغيها.والجذور تعود إلى تكوين رموز الحركة الوطنية وقناعاتها واختياراتها.لقد حيى عبد الخالق الطريس من تطوان، بقوة، الانتصارات العسكرية لهتلر. كما أن بلا فريج، من حزب الاستقلال، كان قد سافر إلى برلين في ذروة الحرب، ورفض علال الفاسي من منفاه بالكابون أن يساند فرنسا الحرة.اليهود الأمازيغ في إسرائيل: إن ما نعرفه عن هذا الجانب من اليهودية الأمازيغية جد ضئيل. كل ما هو معروف هو أن اليهود غادروا المناطق الأمازيغية بكثافة في البدايات الأولى للاستقلال. وأسباب الهجرة تعود بالدرجة الأولى إلى الخوف الشديد من انتصار خطاب التهييج السلفي القومي التمييزي الذي كرسته الحركة الوطنية.
وقد استفادت إسرائيل الفتية، آنذاك، من هذا الخطاب لأنه مهد لها الطريق لاستقطاب جيوش من اليهود الفقراء هي في حاجة ماسة إليهم لتكريس سياسة التصنيع وتقوية الجيش وملء الأحزمة المحيطة بالمدن. وقد تقاطرت الوعود وتم تسهيل المساطر وتوفير الإمكانيات للهروب من الجحيم الذي يمكن أن يتعرض له اليهود إن هم لزموا المغرب في غياب أية ضمانات خصوصا من لدن حركة معروفة بعدائها لكل ما هو يهودي (أو بالأحرى لكل ما هو غير عربي).غير أنه لا بد من التأكيد على أن كل الذين هجروا المناطق الأمازيغية لم يقصدوا إسرائيل. فمنهم من هاجر نحو المدن الكبرى ليستقر بها نظرا لإمكانيات تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وهؤلاء يتكونون بالأخص من التجار الكبار.
ومنهم كذلك من هاجر نحو فرنسا وكندا وأمريكا الشمالية. ويمكن القول بأن فقراء يهوديينا هم من غادر نحو إسرائيل.ولأنهم لم يستفيدوا من التعليم ولأنهم لم ينتجوا مثقفين ولأنهم ـ وهذا هو الأهم عند الكثيرين ـ لم يساهموا في صنع الخطاب اليهودي العالمي، فإن قدرهم كان هو العيش على الهامش في كل المجالات.لقد احتضنتهم أحزمة الفقر وأدمجوا أبناءهم في الجيش وامتهنوا المهن التي لا تضمن أي تغيير لأوضاعهم الاجتماعية المزرية.
ومن الطبيعي أن تتولد في أوساطهم كل المظاهر التي ينتجها التهميش والفقر والأمية والإحساس بالظلم الاجتماعي.ويبقى أن أهم نتائج هذا التطرف هو تحولهم لمعانقة خطابات التطرف سياسيا، بعدما خابت آمالهم في الخطابات اليسارية وخصوصا منها خطاب حزب العمل.ويعتبرون من أهم الفئات الاجتماعية التي أصبح يراهن عليها اليمين ـ واليمين المتطرف ـ ليضمن الوصول إلى السلطة.ومن أهم سمات التطرف النزوع نحو التشبث المبالغ به في الدين إلى حد اتهامهم بالأرثدوكسية. وهذا التشبث يعود، ربما، إلى المتنفس الذي يوفره الدين، بشكل عام للمضطهدين والمهمشين.
الاثنين، يوليوز 03، 2006
ماء الحياة
أقول لنفسي لن أشرب اليوم
لكني أشرب كل يوم
المدمن بكل بساطة لايعرف انه كذلك
تكونت حمرة على خدي و اصبحت لا أطيق الأكل
من شرب النبيذ الأحمر الفاخر المعتق الى شرب ما يسميه المغاربة ماحيا
ماء الحياة
لها طعم الموت
الأحد، يوليوز 02، 2006
التفاعل الإثني في المدارس اليهودية بالدار البيضاء
العلاقة بين التلاميذ اليهود والمسلمين في المدارس اليهودية كانت موضوع دراسة الباحث أنيك ميلو من جامعة جنيف في سبتمبر 2001 .. وقد غطت الدراسة التي حملت عنوان >يهود ومسلمون في نفس فصول الدراسة، التلاقح الثقافي في المدارس اليهودية في الدار البيضاء< الفترة الممتدة من سبتمبر 1999 إلى سبتمبر 2000، قام خلالها الباحث باستجواب تلاميذ هذه المدارس من اليهود والمسلمين، وآباءهم وكذا الأساتذة، وتوصل إلى خلاصات تشير إلى أن الحواجز بين التلاميذ من الديانتين تبقى قائمة.
حسب معد الدراسة التي قام بتمويلها الصندوق الوطني السويسري للأبحاث العلمية، فإن موضوع البحث يظل صعبا، لأن الخطاب الرسمي يتحدث دائما عن التعايش بين التلاميذ المنتمين للديانتين، مؤكدا أنه لا يمكن الاعتماد فقط على الخطابات، بل لا بد من الاعتماد على الملاحظة والمراقبة للأقسام التي يدرس فيها هؤلاء التلاميذ، خاصة الأقسام النهائية في ثانوية "مايمونيد". ويبدأ الباحث بإلقاء نظرة تاريخية على التطور الذي جعل اليهود يخلقون مؤسسات تعبر عن هويتهم، مؤكدا أنه منذ 1956 هاجر اليهود المغاربة بشكل مكثف إلى إسرائيل وفرنسا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، واليوم فإن عددهم لا يتجاوز بضعة آلاف ما زالوا يعيشون في بلدهم الأصلي، ومعظمهم ينتمون إلى النخبة المتوسطة، وهذه المجموعات اليهودية ما زالت تحافظ على علاقات وثيقة مع المهاجرين في الشتات، و>ضمن هذا الإطار تقدم المدارس اليهودية في الدارالبيضاء لتلاميذها تعليما فرنسيا، وتدريسا للمواد العبرية التي لا تميل إلى الاندماج في المجتمع المغربي، رغم أن بعض هذه المدارس تقبل في صفوفها تلاميذ مغاربة مسلمين< حسب الدراسة. الباحث استند في دراسته إلى مراقبة عميقة للأقسام المشتركة بين اليهود والمسلمين، وعلى إجراء حوارات مع الأساتذة والتلاميذ وآباء التلاميذ يهودا ومسلمين، وذلك بهدف اكتشاف الطريقة التي تعرف بها كل مجموعة وتتميز عن الأخرى. ويقول الكاتب إن العرق اليهودي يصعب تحديده، وهو يمكن أن يضم تنوعا كبيرا في المحتوى، ويقول إن >الجانب العرقي عند اليهود موجود ولكنه لا يعني أنه وحدة أساسية وثابتة، فهو يمكن أن يتخذ أشكالا مختلفة حسب السياقات، ومن خلال التفاعل مع المجموعات الأخرى<. وحسب الدراسة، فإن اليهود دائما يظهرون كمجموعة دينية، أكثر مما يظهرون كمجموعة إثنية، لكنها تشير إلى أن عددا من اليهود الملحدين يصرون مع ذلك على انتمائهم لليهودية، >لذلك يبدو من الصعب تعريف اليهود استنادا فقط إلى الجانب الديني<. وتعود الدراسة إلى السياق التاريخي وتؤكد أن اليهود بعد الثورة الفرنسية أصبحوا مواطنين فرنسيين، أي أن هويتهم الجماعية كيهود تمت إعادة تعريفها بالتركيز على الجانب الديني، أي أنهم >مواطنون فرنسيون بديانة يهودية< وهذا ما انطبق عليهم في أوربا كلها. لكن بعد صدور قانون فيشي، الذي نزع عن اليهود صفة المواطنة، بدأ اليهود تدريجيا في إنشاء مؤسسات من شأنها أن تعبر عنهم كمجموعة إثنية ضمن الدولة، ونفس هذا التطور في اتجاه خلق هوية إثنية في أوربا بدأ يظهر خارج أوربا، حيث لم يعد اليهود يتجمعون فقط حول المعابد، وإنما بدؤوا يؤسسون الجمعيات الثقافية والسياسية، والأندية الرياضية وذلك بهدف خلق نشاط >يهودي<. ويقول الكاتب إن >الاتجاه إلى عدم تحديد الهوية اليهودية استنادا إلى الدين جاء ضمن التوجهات العامة نحو فصل الدين عن الدولة في أوربا وأمريكا<.وفي المغرب، رغم أن اليهود المغاربة كانوا دائما خاضعين للتأثير الفرنسي، إلا أن البعد الديني بقي أساسيا. وقد أظهرت نتائج هذه الدراسة أن هناك العديد من مؤشرات الهوية التي تمكن التلاميذ والأساتذة من التعرف بسرعة على انتماء كل تلميذ في المدارس اليهودية، أولها الاسم: فالأسماء العبرية الفرنسية أو الأمريكية لا يحملها سوى اليهود. وهناك أيضا السحنة كعنصر مميز: فالتلاميذ اليهود لهم سحنة تميل إلى البياض أكثر من المسلمين، وإذا كان هناك يهودي له سحنة غامقة، فإنه يقال عنه إن له >هيئة مغربي< أي مسلم. الجانب العرقي يظهر أيضا من خلال التعريف بالهوية، فكل مجموعة تعرف نفسها وتعرف الآخرين، ففي إحدى أقسام CE2 اليهودية والتي تضم أطفالا عمرهم 8 سنوات، سأل الباحث التلاميذ عن جنسيتهم، فأجاب الأطفال اليهود أنهم >يهود مغاربة<، وأجاب المسلمون أنهم >مغاربة<. ويقول الكاتب إن هذه التعابير موجودة أيضا خارج المدرسة. ويضيف بأنه إذا كان الجانب الديني عنصرا أساسيا للتميز عن الآخرين، فإنه يمكن أن نتصور أنه في سياق آخر ضمن مجموعة يهودية فرنسية، أو إسرائيلية أو أمريكية، فإن اليهود المغاربة يمكنهم أن يحيلوا دائما على أنهم >مغاربة<. وبخصوص اليهود المتدينين، فإن ممارسة بعض الشعائر، واحترام التعاليم، يميزهم ليس فقط عن المسلمين ولكن حتى عن زملائهم اليهود غير المتدينين، والطفل الذي يُقَبل "الميزوزا" (لافتة مكتوب عليها بعض السور من الثوراة تعلق عادة أمام أبواب مساكن اليهود) قبل دخول القسم، أو الذي يضع "الكيباه" فإنه يتم التعرف عليه بسرعة بأنه يهودي. وحسب الدراسة، فإن >اللغة أيضا تشكل عاملا آخر للتمييز بين الجانبين< فالتعليم يتم أساسا باللغة الفرنسية، وهي اللغة الأم لأغلبية التلاميذ اليهود، والمغاربة في عمومهم معربون ويجدون صعوبة في التعامل مع اللغة الفرنسية وخاصة منهم التلاميذ الذين لم يبدؤوا الدراسة باللغة الفرنسية سوى في الثانوي. وتخلص الدراسة إلى أن اليهود يمارسون درجة كبيرة من التحكم في التفاعل الإثني في المؤسسات اليهودية في الدار البيضاء، وهو ما يختلف عن الأماكن العامة، إلا أنها تشير إلى أن وجود التلاميذ المسلمين في هذه المدارس كان له تأثير على البرامج، مثلا في التعليم الأولي حيث لا يحضر التلاميذ المسلمون لدروس الثوراة فإنهم يجدون أنفسهم في حالة فراغ إلى حين انتهاء زملائهم من حصتهم الدينية، وبسبب ذلك قررت المدرسة التقليل من ساعات تدريس المواد الدينية، كما أن احتكاك المسلمين باليهود في المدارس ساهم نوعا ما في علمنة التعليم في حين في مستوى أقسام الحضانة (المخصصة أساسا للتلاميذ اليهود) تمت إعادة تقييم تدريس الديانة اليهودية والعبرية
فيلم "ماروك" يطرح التعايش بين الديانات داخل مدرسة مغربية
في تصريحاتها الإعلامية، شددت المخرجة ليلى المراكشي أن فيلمها "ماروك" فيلم للتعايش بين يهود ومسلمي المغرب. بطلة الفيلم مرجانة العلوي سارت على هذا المنوال. والاحتجاجات الكثيرة لنقاد وسينمائيين مغاربة "مسلمين" كانت تركز على صورة "البطل اليهودي" في الفيلم، وهي الصورة التي لم تتعود عليها مخيلتنا الشعبية. الفيلم يصور قصة حب بين "غيثة" المسلمة و"يوري" اليهودي اللذين يدرسان في مدرسة واحدة، وهي ثانوية تابعة للبعثة الفرنسية. وداخل هذه الثانوية سيحدث نقاش كبير بين صديقات البطلة وأصدقاء البطل، حول هذه العلاقة. صديقاتها نصحنها بضرورة التريث، فهذا الشخص لا يهمه إلا مضاجعة المسلمات، وله تجارب كثيرة. أما أصدقاء يوري، فكانوا أكثر حدة في انتقاده، خاصة صديقه المقرب، فالطالبات المسلمات لا يصلحن سوى للمضاجعة. موقف عائلة "غيثة" البورجوازية كان رافضا للعلاقة، إذ قرر أبوها تشديد الرقابة على ابنته كي لا تلتقي حبيبها يوري.لكن المدرسة شكلت فرصة لتوطيد تلك العلاقة، فأول لقاء تعارف بين "يوري" و"غيثة" كان في سيارة عائلتها عند عودتها من المدرسة، بعد أن تعطلت سيارة عائلة "يوري". الفضاء العام لم يقبل تلك العلاقة، وحاول مقاومتها، لكن حب الشابين تحدى تلك الصعوبات. قوة الفيلم تكمن في كونه قدم حكاية واقعية عاشتها المخرجة كاتبة السيناريو، كما عاشها أصدقاؤها في العام 1997، وهي تؤكد على ذلك قائلة: "شفرة الفيلم والشخصيات مستمدة من ذلك الواقع الذي عشته ومن المعاينات التي سجلتها". وتشدد على أنها لم تلجأ إلى قتل البطل في حادثة سير للتخلص منه ومن تبعات هذه العلاقة، بل لبداية مرحلة من مراحل حياة "غيثة". لكن قتلها للبطل المغربي ذي الديانة اليهودية، يعد شكلا من أشكال إجهاض مشروع التعايش المغربي بين يهوده ومسلميه.
كارولين: تعلمت العربية وحفظت القرآن في مدرسة يهودية
ما هي ذكرياتك عن مرحلة الدراسة بالمدارس اليهودية في المغرب؟
أنا كنت في كندا، وكنت أتابع دراستي بمدارس البعثة حتى سن الثانية عشرة، وعندما عدت الى المغرب التحقت بالمدرسة اليهودية بالدارالبيضاء، والتي أصبحت تحمل اليوم اسم "مايونيد"، وكان عمري آنذاك 13 سنة، وكنا نحو 25 تلميذا داخل الفصل نفسه من ديانات مختلفة يهودية ومسلمة.
وما هي نسبة حضور التلاميذ المسلمين داخل مدرستك؟
كان عدد التلاميذ المسلمين أكثر من نظرائهم اليهود، أما المسيحيون فلم يكونوا يوجدون بيننا، لأنهم يختارون مدارس البعثة. ومع ذلك أقول لك بأننا لم نكن نعير أي اهتمام للاختلاف في الديانة بيننا، لأن ما كان يجمعنا هو أكبر مما يمكن أن نعبر عنه حتى لو كنا ننتمي الى الديانة نفسها.
وكيف كنتم تميزون بين الانتماء الديني لبعضكم البعض؟
من خلال الأسماء كنا نعرف ديانة زملائنا، ومع ذلك أعيد وأقول لك بأن ذلك التمييز لم يكن يعني لنا أي شيء
.
وماذا عن تجربتك الشخصية داخل فصلك الدراسي، حدثينا عن علاقاتك مع زملائك وزميلاتك من الديانة الإسلامية داخل الفصل نفسه؟
كنت التلميذة اليهودية الوحيدة داخل الفصل، لأني عندما التحقت بالمدرسة في سن متقدمة نسبيا كان من الصعب علي متابعة دراستي داخل الفصول التي يدرس بها التلاميذ اليهود بما أنهم كانوا يدرسون باللغة العبرية، وعندما وجدت أن تعلم اللغة العربية أسهل بالنسبة إلي من العبرية اخترت الانضمام الى الفصل الذي كان يدرس به التلاميذ المسلمون، وهكذا تعلمت القليل من اللغة العربية وحفظت بعض الآيات من القرآن.
ما هي اللغات الأساسية التي تدرسون بها؟
هناك اللغتان الأساسيتان الفرنسية والإنجليزية، وبعد ذلك تترك للتلميذ حرية الاختيار بين اللغتين العبرية أو العربية.
ولِم اخترت أنت اللغة العربية على العبرية رغم أنك تدينين باليهودية؟
لأنه لم يسبق لي أن درست العبرية، وكان من الصعب علي مواكبة زملائي الذين درسوها قبلي بسنوات، كما أني كنت وما زلت أرتاح الى التحدث بالعربية.
وماذا عن التربية الدينية داخل مدرستك؟
أنا درست داخل فصل جل تلاميذته من المسلمين، لذلك تعلمت معهم تعاليم دينهم، وأعتقد أن ما كان يلقن لنا عن الدين الإسلامي شيء إيجابي، لأننا لم نكن نلقن إلا التعاليم النبيلة لهذا الدين. لم تكن هناك دروس دينية بمعنى الكلمة، وكانت البرامج عادية تشبه برامج أية مدرسة أخرى، وما هو ديني مقتصر على تلقين بعض التعاليم الأساسية للدين اليهودي بالنسبة لمن اختاروا اللغة العبرية وللدين الإسلامي لمن اختاروا اللغة العربية.
وكيف كان التعايش بين التلاميذ داخل مدرستك؟
لم يحدث أن شعرنا بما يميزنا عن بعضنا البعض ما عدا تفوقنا في الدراسة، ولم يحدث قط أن عانينا من مشاكل بسبب انتمائنا الديني. وما هو نوع العلاقة التي كانت تربطك بزملائك من الديانة الإسلامية؟
ما زلت أعتبرهم حتى اليوم إخوتي وإخواني، نتواصل باستمرار ونلتقي في المناسبات الحميمية والعائلية التي تخصنا، ومن بينهم اليوم شخصيات مهمة داخل المجتمع.
ألم يحدث أن يعير بعضكم البعض بدينه؟
أبدا، لم يحدث هذا قط، فالعنصرية والعداء للسامية أو للإسلام أشياء كنا نسمع عنها فقط أو نقرأ عنها، لكننا لم نكن نعرفها في حياتنا اليومية داخل المدرسة أو حتى داخل المجتمع.
وماذا تعلمت من مدرستك؟
تعلمت من مدرستي حب الآخر وحب بلدي المغرب، فأنا كنت في كندا وعدت الى المغرب، وهنا اخترت أن أعيش ولن أغادر الى أي مكان آخر.
المدارس اليهودية بالمغرب تخضع لنظام البعثات ولا تولي أهمية للتربية الدينية
وقفوا في صف واحد ولباس واحد وبنغم واحد أنشدوا للسلام في الذكرى الثالثة لأحداث 16 ماي… التي هزت الرأي العام المغربي، وبعثت الخوف في النفوس من الانزلاق لحرب دينية أو إثنية… إنهم أطفال مغاربة جميعا، مؤمنون كلهم، بعضهم يهود وأكثرهم مسلمون… إنها تجربة فريدة في العالم العربي لمدارس تتحدى المواجهة العنصرية وتجمع اليهودي بالمسلم في فصل واحد؛ يتعلمون سر العالم والكون ويعلمون للكبار سر التعايش والحلم بعالم بدون حرب.
كانت مساهمة الطائفة اليهودية في ذكرى 16 ماي لوحة عمادها لونان دينيان، الإسلام واليهودية، انصهرا لترجمة أنشودة السلام التي باحت بها حناجر التلاميذ الصغار في تناغم تام على مدى ساعتين من الزمن. ولم يكن هؤلاء الأطفال الصغار سوى تلاميذ تفرق بينهم العقيدة لكن تجمعهم نفس الحجرات الدراسية. كان الأطفال الذين ارتدوا زيا واحدا يطغى عليه لون السلام منظمين جنبا إلى جنب في صفوف متراصة دون أن يخضع ذلك لسلطة المعتقد، بحيث لم يكن من المتيسر تمييز المسلم عن اليهودي، كلهم كانوا أبطالا للوحة السلام ونبذ العنف. استمر العرض الذي غطته وسائل الإعلام الوطنية زهاء ساعتين باح فيها الأطفال، الذين فاق عددهم 60 طفلا، بكل ما لقن إليهم من أنشودات للسلام ونبذ العنف والحث على تعايش كل الديانات في العالم بأسره، بعيدا عن التزمت والتعصب الذي لا يولد إلا الإرهاب. كان آباء وأولياء التلاميذ الحاضرين فخورين حد الذهول بصنيع براعمهم الصغيرة... ترجم ذلك تصفيقاتهم الحارة عند انتهاء كل مقطع... كل فقرة... وكل أنشودة. اللقاء الذي حضره رئيس الطائفة اليهودية بالمغرب سيرج بيرديغو وعدد من فعاليات المجتمع كان مناسبة أخرى، قال بيرديغو في تصريح للصحافة "لتجسيد روح التعايش بين الديانات على أرض المغرب، ودعوة صريحة على لسان هؤلاء البراعم لنبذ العنف وكل أشكال الإرهاب الديني والفكري...". الأطفال الذين قدموا عرض السلام هم تلاميذ مدارس يهودية مختلفة يدرس بها، بنسب متفاوتة، المسلمون واليهود.تقول ريبيكا، إحدى المدرسات بمدرسة يهودية بالدار البيضاء "إن الآباء المسلمين الذين يسجلون أبناءهم بمدارس يهودية يطمحون إلى تلقين أبنائهم تربية غربية، ثم إن أغلب هؤلاء الأطفال نشؤوا في محيط بعيد نسبيا مع العادات والثقافة العربية الإسلامية<. وتضيف ريبيكا >إن القليل الذي يعرفه هؤلاء الصغار عن الدين والتقاليد لا يمكنه على الإطلاق أن يضمن لهم هوية إسلامية مغلقة في المستقبل، حيث يتأثرون ببرنامج غربي منذ نعومة أظافرهم، والآباء بالمقابل يرون اكتساب أبنائهم ثقافة غربية أمرا جيدا". تخضع المدارس اليهودية بالمغرب لنظام البعثات الأجنبية، وتبعا لذلك تحدد البرامج التي تلقن للتلاميذ.ويطلق على مجموع هذه المدارس اسم "اتحاد المغرب" أو >رابطة المغرب<، ويعني المدارس اليهودية التي بدأ الاعتراف بها رسميا بالمغرب منذ سنة 1928، تاريخ توقيع أول اتفاق بين المغرب واتحاد المغرب في هذا الإطار. ديبروا، والدة يهودية إحدى التلميذات، لم تخف حرصها على تولي تلقين ثقافة دينية يهودية صارمة لأبنائها، وتقول بأن "المدرسة ليست مسؤولة تماما عن هذا الجانب بقدر بما يتحمل الآباء مسؤولية غرس قيم الدين في نفوس أبنائهم". وتضيف "في المدرسة يمكنهم أن يتأثروا بمنابع أخرى، لذلك يجب الحرص قدر الإمكان على الاستقامة الدينية لأبنائنا". رغم اختلاف معتقداتهم الدينية، بدا أطفال "اتحاد المغرب" أو >رابطة المغرب< أكثر انسجاما. ورغم إدماج اللغة العربية كمادة ضمن البرنامج التعليمي للمدارس اليهودية، إلا أن الكثيرين لا يتحدثون إلا لغة موليير، بل إن بعض التلاميذ ذوي الأصول العربية بالكاد ينطقون جملا مبعثرة بالعربية، فهم يلوكون الفرنسية في البيت والمدرسة والنادي... إلى أن أصبحت لغتهم الأولى. مع بداية القرن الماضي، بدأت المدارس اليهودية بالظهور بشكل أوسع في مدن مختلفة كطنجة وتطوان ومدن أخرى عديدة، مخترقة المجال التعليمي المغربي، وتبعا لذلك أنشئت عدة مدارس فرنسية- يهودية فرضتها معطيات سوسيوثقافية كثيرة، فقد كان عدد اليهود المغاربة إلى حدود تاريخ قريب يصل إلى 220.000، أي ما يقارب 2 في المائة من مجموع السكان. وهو ما فرض توسيع قاعدة البنيات التعليمية الأساسية لأبناء اليهود. وكانت المدارس اليهودية عند نشأتها حكرا على هؤلاء، ثم بدأ بعد ذلك يتسرب إليها أبناء المغاربة المسلمين شيئا فشيئا إلى أن بلغ معدل التلاميذ المسلمين في بعض المدارس اليهودية أزيد من 50 في المائة من مجموع المتمدرسين، كما هو الحال بالنسبة لثانوية "مايمونيد"، إحدى أقدم وأشهر المؤسسات التعليمية اليهودية بالعاصمة الاقتصادية. وساهم في إنعاش وجود المتمدرسين المسلمين في صفوف المدارس اليهودية تراجع عدد اليهود المغاربة الذي تدرجت نسبته في الانخفاض إلى أن بلغت في الوقت الراهن حوالي 5000 يهودي قاطن بالمغرب فقط. ومقابل ذلك، ازداد شغف بعض الأسر المسلمة بتسجيل أبنائها في صفوف هذا النوع من المدارس الخاضع لنظام يشبه نظام البعثات الأجنبية. العديد من أولياء وآباء تلاميذ المدارس اليهودية من المسلمين يرفضون تقديم أسباب ودواعي اختيارهم لمدارس يهودية لتعليم أبنائهم، معللين ذلك بـ"الضوابط المجتمعية التي قد تسيء فهم اختيارهم هذا". وفي هذا الإطار، يقول مصطفى بناني، والد أحد التلاميذ "اخترنا هذه المدارس لأنها أساسا تابعة لنظام البعثات الأجنبية، ثم إن خريجيها من أحسن التلاميذ، كما أنه متعارف على صرامتها في ضبط التلاميذ والحرص على تكوينهم الأخلاقي والديني أيضا، إذ رغم كونها مدارس يهودية فهي تتعامل مع صنفين من التلاميذ، المسلمين واليهود، ولكل من هؤلاء تكوين ديني خاص طبقا لأصولهم العقائدية، فيما تجمعهم فصول دراسية أخرى واحدة لا علاقة لها بالجانب العقائدي أوالديني". أسر التلاميذ المسلمين تتحاشى بشكل كبير الإفصاح عن تسليمها لمشعل التعليم والتربية لمدارس يهودية. وتفسر أمينة الكيلاني، والدة تلميذين بمدرسة يهودية ذلك بكون "الكثير من الناس يختزلون العلاقة بين المسلمين واليهود في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي"، والحال، تضيف "أن اليهودية كدين لا علاقة لها مطلقا بالصهيونية كحركة، وأن اليهود وإن اختلفنا معهم في الجانب العقائدي فإننا نتوحد وإياهم في الجانب الإنساني والاجتماعي والتربوي... بعيدا عن المزايدات الفارغة". ديبورا، المعلمة بمدرسة يهودية، تؤكد >أن لا مكان للعنصرية بين تلاميذ كل المدارس اليهودية، فهم جميعا سواسية ولكل واحد حريته في اختيار دينه<، وتشرح أكثر >فدروس الموسيقى والرسم وكل الفنون الجميلة التي يتلقونها تنمي فيهم حب الحياة وتزكي لديهم روح التسامح والتعايش وكل الخصال الحميدة، فهؤلاء البراعم ما زالوا صغارا وهي فرصة لنا لأن نجبل فطراتهم على التسامح واحترام وتقبل وجود الغير<، كل صباح يتوجه التلاميذ المسلمون واليهود الى فصل الدراسة، فهل يستطيعون بعد أن يتخرجوا كبارا أن يمشوا على الطريق نفسه مستقبلا؟
مدارس الرابطة بالمغرب
ما بين عامي 1880 و1914، فتحت العديد من المدارس اليهودية أبوابها في المغرب بدعم مالي من البارون روتشيلد. وهكذا رأت النور في المغرب 27 مدرسة يهودية في 15 مدينة وقرية، لتدريس نحو 5 آلاف تلميذ مغربي يهودي في بداية عهد الحماية الفرنسية للمغرب عام 1912. وفي عام 1915، بدأت الحكومة الفرنسية بتمويل مدارس الرابطة أو >اتحاد المغرب< التي ظلت تشتغل في المغرب حتى في عهد حكومة فيشي بفرنسا. وبعد نهاية الحرب، أصبحت الحكومة الفرنسية تمول 60% من ميزانية مدارس الرابطة، مما ساهم في زيارة عدد التلاميذ داخل هذه المدارس، والذين ارتفع عددهم من 22 ألف تلميذ عام 1948 الى 33 ألف تلميذ عام 1956 عام استقلال المغرب. وبعد ذلك، أصبح حتى المدرسون يتكونون داخل مدارس الرابطة: فعام 1945 سيشهد تأسيس المدرسة العبرية العادية بالدارالبيضاء. وما بين عامي 1951 و1952، كان ما بين 60 و70 في المائة من أبناء اليهود المغاربة يدرسون بمدارس الرابطة الموزعة على نحو 55 مدينة مغربية. وفي سنوات العشرينيات، عارضت مدارس الرابطة بقوة توغل الفكر الصهيوني في المغرب، لكن الحرب العالمية الثانية ستترك آثارها على هذه المدارس بارتباط مع مأساة اليهود في أوربا وتنامي دعم يهود أمريكا وأوربا الغربية لهذه المدارس. ورغم أن هذه المدارس لم تتبن الفكر الصهيوني، إلا أنها بدأت بتدريس العبرية الحديثة، كما أن جمعية قدماء تلاميذ مدارس الرابطة عبرت عن تأييدها للصهيونية. وفي البداية، لم تكن اللغة العربية تدرس بهذه المدارس، وكان أبناء اليهود المغاربة يتحدثون خليطا من العبرية والعربية، لذلك تقرر أن يتم تدريسهم باللغة الفرنسية، باعتبار أن اللغة الأم التي كانوا يتحدثون بها لغة ثانوية أو لغة دارجة! لكن بعد استقلال المغرب سيفرض تدريس اللغة العربية داخل المدارس مع صعود تنامي الحس الوطني عند المغاربة. ومع بداية الهجرة الكبيرة لليهود المغاربة نحو إسرائيل في أوائل الستينيات ستبدأ هذه المدارس تشهد نهاية مجدها، وبقي منها اليوم عدد من المدارس والثانويات ورياض للأطفال تابعة للرابطة في المغرب.
المدارس اليهودية بالمغرب
نشرة جريدة مغربية ملفا عن اليهود المغاربة و نظامهم التعليمي و نظرا لكونها خطوة مستحسنة خصوصا في هده الظروف التي كثر فيها اللغط عن اليهود المغاربة و قيام اطراف سياسية بالهجوم عليهم من خلفيات طائفية مقيتة ارتأيت نشره هنا
دورالمدارس اليهودية في المغرب اليوم تختزن ذاكرة المدارس اليهودية في المغرب تاريخا مشتركا من التعايش بين اليهود والمسلمين أصبح اليوم شاهدا على تجربة مغربية فريدة من نوعها في عالمنا العربي. ورغم أن عدد تلك المدارس تقلص من أكثر من 27 مدرسة كان يؤمها أكثر من 33 ألف تلميذ، إلى نحو 4 مدارس انحصر وجودها في مدينة الدار البيضاء، إلا أنها مازالت تستقطب العشرات من التلاميذ أغلبهم من أبناء المسلمين..
كان موسى ابن ميمون، العالم اليهودي الأندلسي، هو التلميذ رقم واحد للفيلسوف المسلم ابن رشد في قرطبة. ومات الفيلسوف وترك وصيته العلمية لتلميذه اليهودي ابن ميمون الذي حافظ عليها ونشر أجزاء من الفكر الرشدي في أنحاء أوربا المسيحية. وكان محمود درويش تلميذا حالما في المدارس اليهودية في إسرائيل وأحب طفلة يهودية كانت زميلته في المقعد اسمها "ريتا"، كتب قصيدة في حقها غناها مارسيل خليفة تقول في إحدى أكثر عباراتها تأثيرا: "بين ريتا وعيوني بندقية". ذات صباح وجد الشاعر الطفل بندقية الاحتلال أمامه تجبره على الرحيل من قريته بروة قرب الجليل الى مخيمات اللاجئين على الحدود اللبنانية. كانت المدرسة وما تزال نقطة عبور نحو الآخر، كما هي نقطة افتراق بين الأديان والأعراف والقوميات. وفي المغرب اليوم تجارب لمدارس يهودية يدرس فيها أطفال مغاربة مسلمون، لم تمنعهم خصوصيات الأديان من الجلوس في المقعد مع مواطنين يهود مغاربة في الدرس نفسه. إنه الاستثناء وسط القاعدة التي أصبحت متحكمة في علاقة اليهود بالمسلمين في كل العالم العربي: القطيعة التي أحدثها الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين وتشريد أهلها وقتلهم كل يوم. عاش اليهود قرونا عديدة في المغرب، وتاريخيا وجودهم أقدم من المسلمين على أرض >إيمازغن< التي دخلها الفتح العربي الإسلامي وتعايشت مع الإسلام كما تعايشت من قبل مع اليهودية والمسيحية وتيارات وأديان وثنية أخرى. وكما تعرض الفلسطينيون لمحنة الاحتلال والتهجير من أرضهم، تعرض اليهود المغاربة للمحنة نفسها؛ التهجير الذي كان أغلبه قسريا من أرض أجدادهم وتاريخهم… اليوم هناك عودة لما قبل الحرب العربية الإسرائيلية لسنة 1948، والتي زادتها توترا حرب 67 ثم 73 ثم غزو لبنان سنة 1982 والبقية معروفة. ما زالت في المغرب أقلية يهودية معتزة بمغربيتها ومحافظة في الوقت ذاته على يهوديتها، ورغم أن شعارات ما زالت تتردد في مظاهرات الإسلاميين تقول لهم >خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود< فإن هناك أصواتا عاقلة تعترف لهم بالحق في الوطن. فقبل سنة قال أحمد الريسوني في استجواب صحافي: >من واجب المغاربة أن يعترفوا بالجميل لليهود المغاربة الذين لم يهاجروا الى إسرائيل، بل وجب تكريم من بقي منهم في المغرب<. يحكي الأنتروبولوجي عبدالله حمودي أنه وجماعة من زملائه الطلبة سنة 1967 شكلوا فرقة لحماية بعض زملائهم اليهود الذين كانوا يدرسون في الجامعة، خاصة عندما انطلقت التظاهرات المنددة بإسرائيل عقب الهزيمة. وكان الحمودي -يروي للجريدة- يبيت الليل كله وجماعة من أصدقائه أمام أبواب منازل زملائهم اليهود، وكان أندري أزولاي واحدا منهم، لأنهم كانوا يميزون بين اليهودية والحركة الصهيونية.فهل ما زال هناك من هو مستعد ليسمع عن خطاب التمييز هذا؟ مدارس اليهودية التي تستقبل المسلمين واحدة من الجهات التي تشكل درسا وجب التمعن في دلالات رسالته في التعايش والقبول بالاختلاف…
توفيق بوعشرين