الأربعاء، يونيو 07، 2006
كتبوا باسمي
كثيرة هي اجزاء روحي التي فرقتها في هذه الشوارع
جبران خليل جبران
الوطن الذي صار سوقا ليس وطني
الحب اكثر الأواني قابلية للصدأ
حيدر حيدر
انا ميت وهادئ، أقتصد نفسي
سارتر
إن الحب هم كبيرمثل خبز الفقراء
لاأشرب الماء إلا عندما ينعدم النبيذ، الماء للضفادع
لم أسمح حتى الآن لأية عاطفة أن تخونني، لقد عشت دائما في حالة الطوارئ
لقد خرجت من بلادي حافيا ووصلت الى بلد غريبا حافيا فما جدوى ما في الطريق
لاأشرب الماء إلا عندما ينعدم النبيذ، الماء للضفادع
لم أسمح حتى الآن لأية عاطفة أن تخونني، لقد عشت دائما في حالة الطوارئ
لقد خرجت من بلادي حافيا ووصلت الى بلد غريبا حافيا فما جدوى ما في الطريق
محمد شكري
اللاجئون ملعونون في بلادهم وخارج بلادهم
انهم ينتظرون و الانتظار صمود ومواقف
محمود درويش يوميات الحزن العادي
الثلاثاء، يونيو 06، 2006
شكريات
بطولة الحب لاتتحقق الا فيما هو مدنس وملعون: ان يعشق غني مفلسة ومؤمن كافرة
من حسن حظي اني لم أحب اية امراة لعينة حتى تقهرني
من حسن حظي اني لم أحب اية امراة لعينة حتى تقهرني
لاقاهر ولامقهور
لقد احببتهن من بعيد لايهمني ان يبادلنني حبي لهن ،عندما تبدأ امراة تبادلني الحب عن قرب و جدية ،فانها الكارثة هي التي تبدأ، ان أحبهن بعيدا عني و ان يحببني بعيدا عنهن
أن يكون بيننا الحنين الذي قد يخلق لنا ذلك الحب ان هو وجد، لاأحب امراة اقدسها في المساء لكي ألعنها في الصباح كما يفعل أكثر الملاعين
القذارة البشرية ليست مقتصرة على المرحاض
القذارة البشرية ليست مقتصرة على المرحاض
محمد شكري
الاثنين، يونيو 05، 2006
كـائـن فـارغ مـن أعـضـائـه
وضع السيجارة في زاوية فمه , ونفخ دخانها من منخريه , وجلس على المقعد الخشبي المهترئ الذي اعتاد أن يركبه , أمسك بمشرط , وخز جبهته , وأدار حركة المشرط حول رأسه , ليتأكد أن رأسه مخرومة من كل الجهات , رفع غطاء جمجمته , كان المخ بداخلها , أخرجه برفق , وكان ملتصقاً بهِ حبلاً عصبياً كالمشيمة , وضع مخه على الطاولة التي يتوسطها صحن مصنوع من البلاتين , شاهد مخه أمامه , هو الآن بلا رأس , بلا عقل , شاهد – بعيونه – أن بخاراً كثيفاً يخرج من عقله , فترتفع الأبخرة على شكل خطوط عبثية , تتداخل , وتتعارض , ثم لا تلبث أن تفترق , حتى ترتطم بسقف حجرته , وماهي إلا ثوانٍ معدودات , إلا وقد شاهد هذه الأبخرة تتماشج , وتصنع هيكلاً من نور , ثم تكسو نفسها بنفسها , وتصنع صورة من الصور , يصعب إدراكها , أو حتى الشعور بها لأول وهلة , كانت الصورة مهولة , رهيبة , عميقة , ذاتها تملك غوراً سحيقاً , لم تكُ وهماً أو خدعة , كانت صورة حية لامرأة : نعم , إنها صورة أقوى من إله .. نعم , وأصلب من حجر صلد .. نعم , هاتيك الصورة , ذاك الكمال الذي لا يصيبه النقص , تلك الماهية غير متحددة , يصيبها التعيّن , عيبها الوحيد .. أنها امرأة غير فانية
لم يلبث " قلبه " طويلاً , ارتجف , ودق بعنف , خرج من صدره , من بين القفص الحجري , ونطّ , إلى الصحن , مجاوراً للمخ , كان مربوطاً بوريدٍ يتوهج بلونه الأخضر , ولم يتبخر منه شيء , كان قلباً مصنوعاً من الخرسان , لا ينبض , ولا يطبل بالإيقاع راقصاً كبقية قلوب البشر . بل كان قلباً لرجل في العقد الخامس من عمره , قلباً مصنوعاً من رمل وزجاج , ما أسهل كسره وتفتيته وإذابته في التربة الصحراوية كي ينبت من وراءه الخزامى والعوشج الشائك . القلب والمخ يستعليان الصحن , والرقاقة العصبية كانت تنسدل بجانب الوريد , يصلان القلب والمخ بالجسد , في هذه الثواني القصيرة , كانت الأبخرة قد خلقت لها لساناً طويلاً وسط فمٍ كرزي , تحدثت , بنبرة بشرية جداً , تشبه تلك التي نسمعها في سوق الخضار أو الأسهم أو بسطة العجائز . قالت المرأة كلاماً : ظنه صاحبنا أنه لا يصدر إلا من امرأة , لم يكُ مبيناً ولا منمقاً ببلاغته , لم يميزه سوى نعومته القاصلة جداً
أخبرته أنه الآن بلا عقل ولا قلب , وأنها , ما أن تمد يدها المشعة , ستكون قادرة على قطع الوريد والعصب . ولكنها الآن لا تفضل ذلك , إنها تفضل أن تعزف بهما , أو تستخدمهما كوترين في كمانها , هي , تملك عقله وقلبه , وهو , ماذا يملك سواهما ؟ يملك كينونته فقط . وهذه الكينونة هي جسده , وتحولاته الحيوكيميائية , إنه تاريخه , الممتد لأكثر من أربعة عقود , ياللتفاهة , مالذي فعلته أنتَ وعجزت عنه الأمم ؟ إن ما فعلهُ "هو" من منجزات , كان موجوداً هُناك , وكان يرى فعائله كأمور عظيمة وذات شأو مهول , لكنها , مملوكة للبخار , للحلم الواقعي الذي يحكمه , والذي أفرغ رأسه , وصفّى جوفه , وجعله يدخن السجائر الأمريكية , ويجلس في مكانٍ معتم , كله جفاف , وخشخشة نمل وحشرات زاحفة . ماذا تملك أيها الرجل العجوز سوى هذه الحجرة التي حشرت ذاتك بها , أنتم , أيها الصحراويون , تعشقون العيش في الظلام , تهيمون بالإستمناء الفكري والعادات السرية , تحلمون بأشياء طوباوية من قبيل العبث والخيلاء الزائف
ماذا تملك غير كينونتك ؟ قل لي ؟ ماذا نفعتك أفلاطونيتك ومثاليتك التي جعلتها تخلقني , وتضع مني مثالاً , بل كنت بغرورك , تقول عني : سأرفع هذه المرأة إلى السماء , وسأجعل منها مركزاً للكون , وستتحقق مشيئة أرسطو . ثم تخليت عن هذا الرأي بسرعة , فأنت كافر , والكفار لا يحلمون بالجنة . قلت أنك ستضعني حاكمة لمدينة أفلاطون , ولن تستبعدني كما استبعد أفلاطون الشعراء , بل بالغت بهذا , إنك , تحبني , لأنك لم تجد غيري , ولو وجدت , سترى أنك أضعف من أن تحب امرأة حقيقية . ثم تنازلتَ بسخف عن هذا الرأي وقلتَ : أنني امرأة , ولست بأنثى , وعاقبني على نسويتي , ونسيت أن النسوة هن الإناث , وكنتَ , شبقاًَ , تستعملني لأغراضك الرخيصة , من قبيل المتعة , لم أكُ سوى دمية في يديك , وها أنا الآن , أقف فوقك , لا ترى مني إلا جسدي المومض , ولساني الطويل , هل أثبت لك أنك لست إلا شخصاً أضاع بوصلة الأقدار ؟
انطفأت سيجارته , فأخرج سيجارة ثانية من البوكيت , ودخنها , ثم سارع بالقول , إنه رجل , رغم كل أقاويلها , كان يعبث , وما الكون إلا عبث أسبغنا عليه صفة النظام , نحن , يا عزيزتي , فحول . أهل الصحراء , لم يعتادوا يوماً الولوج إلى عالم الأنثى , كانوا يولجون أشياء أخرى , يا آلهتي , أو يا بخاري الممشوج من وهمي , إسمعيني جيداً : يوجد فوق هذا الرف كتبي , إنها عامرة بالقصائد الشعبية السعودية , هل تريدينني أن أخرج لك قصيدة لأجدادي البدو ؟ كي تعرفي أنني - رغم تحضري البادي علي - لست إلا راعياً في أول عمري , تهت في زقاق أحد المدن الآسيوية , في رحلة اقترضت مالها من أحد الأصدقاء , ووجدت نفسي في أحضان المومسات , ورطنت معهن بعض الإنجليزية , وأقنعت نفسي بأنني لا أصطنع المدنية , وزرت بلداناً وأوطاناً , وكان اقتناعي يزيد ويقوى , قبل أن تأتي إليّ هنا , وتحاصرينني في هذه البقعة المظلمة . أي عدل هو هذا ؟ أن تحرميني من متعة المدنية والمبيت مع المومسات اللاتي استأجرتهن بدولارات لا تتجاوز الخمسة أو العشرة في أقصى حالات الغلاء ؟ أتذكر - يا أيتها الكائنة التي لا أعرف ماذا أطلق عليها من ألقاب - أتذكر أنني صليت الجمعة في الدمام , وكنت قبلها بليلة قد نمت مع مومسة شقراء في الدولة المتاخمة , والأفظع من هذا أنني صليت على جنابة !
ومع هذا , فإننا لا نزعم ريادتنا وعلوّنا وآنيتنا اللامحدودة , إننا ملوك هذا العالم , إننا سادة البشرية , نحن من يربيهم ويعلمهم الحكمة والموعظة الحسنة , وأنا , إذ أستخرج دماغي وقلبي وأضعهما على هذا الصحن الرخيص الذي لا يساوي ريالين , فإنني أثبت أنني فحلٌ لا يهاب صعاب الأمور , فمثلما مات أجدادي من أجل قضايا خاسرة كالقتال على ناقة شاردة أو بعير أجرب , فإنني كحفيد ووارث شرعي لهؤلاء , لا أبالي حين أخاطر بعقلي وأرميه جزافاً من أجل كائنٍ مخلوق من محض الخيال
كانت الأبخرة تتزايد , والضوء ينبجس , ويزيد في قوة إشعاعه , ويبرق وميضه برقاً خاطفاً , لكنه , مالبث أن بدأ يخفت مع حرارة الجو الجدلي , وببطءٍ ورويّة , تبخّر البخار وصار هواءً عارياً , وتلاشت الصورة الأنثوية المخيفة , وزال الشبح , وأيقن الرجل أنها غابت , فأمسك مخه الهلامي بيديه , ورفعه على أقل من المهل , وأطبق على رأسه وأحكم إغلاقه , ثم أراد أن يعيد قلبه إلى مكانه , ولم يجد بداً من أن يسحب الوريد , والذي بدوره سحب القلب معه , فقبض عليه بذراعه اليسرى , كان يقطر دماً يلمع بلونٍ قرمزي لطّخ ذارعه وقميصه وملأ المكان بالدم والنزيف , فأجحر الرجل قلبه في قفصه الصدري , وأحكم الإغلاق عليه
زمكان
زمكانيات
كاتب من السعودية
الأحد، يونيو 04، 2006
سكيزوفرينيا الاسلام
للأسف لست بصدد الحديث عن السكيزوفرينيا بشكل مجرد كمفهوم نفسي علمي محض لسبب بسيط و هو أنني لست طبيبا. غير أنه و إن كان ليس من مفر من الخوض في السكيزوفرينيا فلا بأس بالأمر إذ إني على إطلاع جيد بنوع آخر من السكيزوفرينيا، سكيزوفرينيا المخيال الجمعي السائدة في المجتمع المسلم. السكيزوفرينيا التي أتحدث عنها شائعة إلى درجة يمكن القول أنها من أهم الخصائص المميزة للحياة الواعية و اللاواعية للأفراد في المجتمع المسلم. الانفصام خطير و تترتب عنه نتائج اخطر، وإن انضاف إلى الأمر اعتبار أن المجتمعات الإسلامية هي بالأساس مجتمعات متخلفة مع ما يستتبع ذلك من ميكانيزمات و خصائص تميز و تحكم حياة الإنسان المتخلف عموما, فلكم أن تتصوروا درجة الخطورة التي أنا بصدد التلميح إليها.
تخلف وانفصام في الشخصية !! اللهم لا اعتراض. يعيش المسلمون في غالبيتهم الساحقة في حالة من شبه التخدير التام و الإيمان الراسخ بالأفضلية و التفوق الخرافي الذي لا أساس له لا من حيث الواقع و لا من حيث المنطق بل و لا حتى من حيث المنظور التاريخي . يعيش المسلم البسيط في ظل إحساس مهيمن لا يحتمل أن يرتقي إليه شك في كونه، في دخيلته مميزا و ذو حظوة.
و هنا يتحول الدين –وهذا الأخطر في الإسلام دون غيره من الأديان- إلى لحمة تزيد من تلاحم و ترابط المسلمين و تحولهم، و لو في مخيلتهم إلى عائلة واحدة كبيرة ذات المليار فرد. هذه الأسرة الكبيرة محكومة بنفس الاكراهات و مرتبطة بالمصير نفسه. يأخذ المسلمون فيما يأخذونه على اليهود – وهو كثير و متعدد- اعتدادهم بكونهم شعب الله المختار و ينسون عمدا أنهم هم أنفسهم خير امة أخرجت للناس. يعيش المسلمون في حالة من اليقين المطلق بأنهم كانوا أسيادا في الماضي و بأنهم و لا شك في يوم من الأيام –يرونه قريبا و نراه بعيدا- عائدون لسيادة و ريادة هذا العالم. هذه بالتحديد إحدى النقط الخطيرة التي يتم من خلالها تغييب قدرات الفرد على النقاش و التحليل و النقد لفهم أسباب تدهور المسلمين من القمة إلى الهامش.
يتم في هذه المرحلة تشبيع المسلم البسيط بعشرات الآيات و الأحاديث و النبوءات التي تفيد كلها معنى واحدا هو : لا داعي لان ترهق نفسك بالتفكير فالمرحلة على حساسيتها لا تعدو كونها بلاء و امتحانا لا يلبث أن ينجلي و يعود الإسلام إلى سابق قوته و عهده. لا داعي لإعمال الفكر و لا مبرر للنقد فالأمور من تدبير قدير عليم حكمته أعمق من أن تدركها حواس البشر البسطاء من أمثالك. هنا يعيش المسلمون حالة نفسية أشبه بالغصة وكأنهم في حداد دائم على ماضيهم البائد و في حنين مستمر إليه "كلهم عرب، كلهم ماض وأمواج حنين إليه" (حيدر حيدر : وليمة لأعشاب البحر). الغصة الجماعية هذه تجعل المجتمع كما الفرد في بحث مستمر عن ذرائع للتغطية على النقص و التأخر عن طريق الاستحضار المستمر و التمجيد والاجترار المرضي للماضي التليد و أمجاده وبطولاته و معجزاته الخارقة بالموازاة مع حالة من الاستكانة و السلبية التامة و عدم الحراك الكامل في انتظار الخلاص السحري المخلص.
و المثير هنا للانتباه هو العدوانية المفرطة و المجانية و القمع الممنهج الذي يمارس ضد كل فرد يحمل في طياته وإن عن غير قصد، بذور التمرد أو التشكيك في إمكانية خلاص هذه الشعوب المسكينة المحكومة رغما عن انفها بالدين و الكبت والرعب و التقاليد و الخرافة. نقطة أخرى لا تقل أهمية، بل الاحرى أنها لا تقل خطورة عن سابقتها هي الانفصام التام، بل الفصل المتعمد و الواعي بين الإسلام كصورة مثالية نقية بيضاء و بريئة مستمدة أساسا من أحاديث الفقهاء و الدعاة و المتدينين بالوراثة و من الكتب الدينية القديم منها و الحديث مضافا إلى ذلك عوامل أخرى من قبيل المدرسة و الشارع و الميول الشعبية و التي تلتقي كلها في محاولة رسم صورة للإسلام تكون غاية في النقاء و البهاء والعظمة والإعجاز و بين الإسلام السياسي الذي هو في نهاية الأمر الصورة الحقيقية للإسلام. الإسلام منذ ظهر و على امتداد أزمنة وعصور الخلافة الطويلة و انتهاء بالحاضر، ليس أكثر من إعمال لحد السيف كيفما اتفق في سباق محموم من اجل السلطة و الحظوة. يكاد الإسلام أن لا يكون شيئا غير منظومة فكرية دغمائية متكاملة في حبكتها و ترابطها تحث على قتل الآخر و تنشر تعاليم البغض و الكراهية ونبذ الآخر المختلف. على أن هناك بونا شاسعا بين الصورة التي يعبأ بها عقل و ذهن طفل المدرسة بسيط المعارف و التي يتم حشوها بكل مراد فات الحب و الود والإيثار… الخ و بين الصورة الحقيقية للإسلام كما كانها الإسلام بالفعل. بمعنى آخر أيهما أكثر صدقا و تعبيرا عن الكنه الحقيقي للإسلام كدين، هل هي تلك المثالية المفرطة و تلك الأخلاق التي تعجز أن تتحلى بها الملائكة كما يحاول الدعاة و بعض المؤرخين أن يوهم نفسه قبل الآخرين، مع أمثلة و حوادث مجتزأة و مفصلة على قد المقاس من أزمنة وظروف لا رابط بينها.
أم هي تلك الصورة مثلما عايشها الناس عن كتب؟ إلى أي منهما نحتكم و في أي منهما نعتقد؟ هل نصدق نظرية طوباوية لا وجود لها إلا في مخيال جمعي؟ أم في صورة وثقتها الأحداث و الكتب و الاسترسال الزمني. يا ترى هل الإسلام في الحقيقة هو عين السماحة والتسامح و المحبة و الود و الخير إلى أخره من العبارات النمطية التي يحفظها الجميع عن ظهر قلب، أم أن حقيقة الإسلام هي دين بالإكراه وجزية لمن لم يرد و سبي للعاجزين واسترقاق لغير المقاتلين وتجارة نخاسة رابحة في آخر المطاف؟ المسلم البسيط يعاني من سكيزوفرينيا وراثية جماعية تم حقنه بها. ما معنى أن الإسلام هو خير وآخر الأديان؟ وأن كل الأديان الأخرى محرفة؟انه جزم تبسيطي و مصادرة مسبقة لكل محاولة للتساؤل و النقد. ماذا لو كان اله المسيحية أو اليهودية أو البوذية أو غيرها من الأديان هو الإله الحقيقي ؟ لطالما طرحت هذا السؤال على أصدقاء لي، ولطالما رأيت تعابير الدهشة والتنديد ترتسم على وجوههم ثم يجيبونني بوابل من الحجج والأدلة المحفوظة عن ظهر قلب هي في أحسن الأحوال عذر أقبح من ذنب.
أو كأن فكرهم لم يخض مطلقا فيما مضى في مثل هكذا احتمالات لأنه بالأساس خوض في كفر. إزاء التساؤلات المحرجة لا يوفر المسلمون لمحاورهم فرصة الوصول إلى أرضية مشتركة تكون منطلقا للنقاش بل يسارعون إلى إعطاء الدليل تلو الدليل من القرآن والسنة وأخبار السلف الصالح للتدليل على صواب ادعاءاتهم، إنهم ينسون أو يتناسون أن لا قيمة لشيء اسمه الله أو الرسول أو القران في حديث مثل هذا. ولكون المجتمعات الإسلامية بدون استثناء مجتمعات متخلفة أي غير منتجة فإن العنف يصير وبشكل مشروع الوجه الآخر للحوار. فالإيمان المطلق الذي يحس به المسلم لا يسمح له بتحمل الأسئلة المحرجة والمقلقة, بل يصبح رد الفعل ضروريا تحت طائلة الدفاع عن النفس والدين والمقدسات. المسلم وإن كان جاهلا ومتخلفا هو أفضل من الأجنبي الكافر, إن في هذه العملية قلبا عجيبا للأدوار والمواقع. الآخر المتقدم والكافر في الآن نفسه هو في درجة أدنى وأبخس لأنه غير مؤمن، هنا عملية إسقاط لاواعية لنقص و تخلف و عار الأنا على الأخر، الإسقاط ينفس عن الأنا شيئا من أزمته الوجودية الخانقة و يجعل الكافر في درجة دونية مما يبرر في مرحلة لاحقة إمكانية الاعتداء عليه. (انظر كتاب الدكتور مصطفى حجازي:التخلف الاجتماعي: سيكولوجية الإنسان المقهور).
يعمل المسلم البسيط على وأد تساؤلاته و شكوكه في أعمق مكان ممكن في لاوعيه. كما انه يعمل في الآن ذاته على ممارسة قمع ممنهج و شرس ضد نفسه التي يصفها ب"الأمارة بالسوء" كي لا تعود إلى مثل تلك الأسئلة الزنديقة و المخرجة من الملة.
في هذه الفقرة أقدم بعض النماذج على التـناقضات الصارخة التي تعبر بشكل جلي عن حالة السكيزوفرينيا التي يعيشها المسلمون إزاء تاريخهم و دينهم و حالة التدليس و التعتيم المتعمد التي يتصرفون بها تجاه عقيدتهم.
- الإسلام دين سماحة و محبة و...و...و رغم انه انتشر بحد السيف ورغم انه أباد يهود الجزيرة العربية و رغم أن النبي محمد كان المشرف و الآمر بإعدام أكثر من ستمائة يهودي بعد حصارهم بدعوى تآمرهم ضد الدين الجديد.
- الإسلام لا يرقى إليه شك ولم يخضع قط للتحريف رغم أن قريش قاطبة كانت قد صلت وراء النبي محمد بعد أن ذكر آلهتها بخير في آية قرآنية من نسج لسانه تم جاء القرآن بعد ذلك ليستدرك ويصحح الأمر و يعيد الأمور إلى مجاريها و الحرب مع قريش إلى سابق عهدها ( للاستزادة أكثر حول هذا الموضوع راجع كتاب الدكتور صادق جلال العظم: ذهنية التحريم حول واقعة حديث الغرانيق).
- الإسلام دين يعترف بحق الآخر في الحياة الكريمة و ينبذ التعصب و العنصرية رغم انه في الحقيقة يؤسس لهما من خلال اعتبار المسلمين خير أمة أخرجت للناس. - الإسلام دين عدل رغم الحيف الصارخ و الصريح في معاملة المرأة و التبخيس و التشييء الذين تعانيهما المرأة المسلمة. ومما يزيد الطين بلة هو أن يخرج علينا بعض الإسلامويين ليتشدقوا دون حياء بأن الإسلام جاء ليكرم المرأة.
هــــــــــــــــراء !! - الإسلام دين حقوق الإنسان رغم أحكام الحدود الهمجية المرعبة التي يعج بها من قبيل البتر و الرجم و الجلد والنفي و التعزير والحبس الخ...
- الإسلام يقبل أن يعتنقه المسيحي و اليهودي و غيرهما بينما يرفض أن يفعل المسلم مثل ذلك، بل يكفر و يستتاب و يقتل. - المسلم يتزوج غير المسلمة بينما يحظر على المسلمة الزواج من غير المسلم. - الإسلام كان على الدوام دين تعايش و محبة في حين أن نظرة و لو خاطفة على تاريخه يجعلنا نقف على حقيقة مخالفة تماما لذلك حافلة بالمآسي و الدماء و النكبات و المجازر ( مثال: قتل العباسيين لأزيد من اثنين و سبعين ألفا من الأمويين في يوم واحد في وقعة الحرة. راجع كتاب فرج فودة: الحقيقة الغائبة)
- الإسلام دين الحرية الفكرية و الانعتاق العلمي في الوقت الذي غيبت فيه رصاصات التعصب المذهبي و الديني شخصيات بارزة من أمثال مهدي عامل وفرج فودة و حسين مروة و غيرهم بسبب مقالة أو رأي أو كتاب. لعمري إنها قمة الحرية. ليست هذه، للأسف سوى أمثلة غاية في البساطة و الإيضاح لتيسير الفهم لذوي الإدراك البسيط. وما خفي أعظم.
و ختاما أقول أن المصير الحتمي للبشرية هو أن تخطو بثبات نحو الأمام مهما كانت القوى الرجعية المناوئة للتغيير صلبة و قوية. غير أن الانطلاقة نحو الأفضل لن تتأتى للمجتمعات المسلمة ما لم يتم تقليم أظافر المسجد و المنبر تماما كما قلمت أظافر الكنيسة فيما سبق. فالسبيل الحيوي الأوحد الذي يطرح نفسه كبديل ممكن هو إسلام معدل، منقح و مزيد قابل للتعايش مع قيم العصر و منبعث من روح مبادئه و ثوابته.
le fleuriste