الثلاثاء، غشت 22، 2006

 

موناد متشتت

هذا الجزء من الوجود , ينضح بشيء ما , لا أدري هل سأصفه , هل سأسبغ عليه كلامي ؟ ولماذا أنا مجبر على الكلام , أفلا يكون الصمت أحكم , وأحشم , وأفخم , بما لا يترك لغيري سوء الفهم , وقبح الطوية ؟ ثمة ما لا يتركني أعيش بخير , وأنا ممنون لذلك كل الامتنان , أتوقع أنك تسألني أيها النبيل عن سبب عزوفي عن الكتابة إذن ؟
سأجيبك وأنا في حالتين : حالة امتنانية , كحالتي قبل قليل في السطور أعلاه , وحالة احتقارية , وهي حالتي في مجمل الأحوال
الشعور بالقرف يكسيني , يغطيني , يُفلت كل فرصة بالامتلاء عندي , القرف هو الشيء الوحيد الذي أجيده وأبرع به وأحترفه , وغير هذا لا تسلني عن مواهبي الفقيرة

سأقول لك وأنا غير معجب بهيئتك , غير مبال بلسانك , غير مقدر لظرفك وحالك , غير مكترث بالبشرية جمعاء , سأقول أني لا أحب من لا يقرأني بقدر كرهي لمن يمتدحني , ولا أكره من يتجاهلني بقدر ما أحب من ينتقدني . لا أنادي من لا يملك أذناً يسمع بها , ولا أسمع من لا يملك لساناً يتفوَّه به
هناك دائماً شوق للذوبان بالآخر لدى الإنسان , هذه الحالة لم تتم دراستها جيداً أقسم لك
أقسم لك أنها لم تدرس ولم يكتشفها أحد الضعف كفيل بتوطين هذه الحاجة في النفس والقضاء على حاجات أخرى , كله لحسابها , أعرف وأدرك وأفهم هذه اللغة القرفانة , وأرطنها جيداً .الضعف سبب المشاكل كلها , من يمشي وراء الناس هو بالضرورة يعاني من مأزق خطير , أوشك على القول أنه أخطر مأزق يمر به الإنسان في حياته , قوة الضعف نفسه , خطورة الضعف وآثاره السلبية , تدفع الصخر للتمزق , تجبر الحديد على السيلان ذائباً , تجعل من الإنسان نسناساً في قفص تخيل فقط , ولو لمجرد التخيل والعبث , أنك تمشي في مظاهرة , لا أريد أن أقول لك أنك أبله حين تمشي في الخلف , فأنت في هذه الحالة رفعت يافطة تتكلم عن مدى حمقك وفي حالات الضعف والارتكاس ينزوي الإنسان بوصفه مختلطاً بالآخرين , إن انزواءً كهذا , بنظري هو أخطر مرض يفتك بالإنسان , وإن توحداً طويل الأمد , يجبرني على الوقار واستحسان الداخل ستقول لي أيها النبيل , ما حاجتي بقرفي وتوجدي وتوحدي وقلقي وبؤسي وشقائي وامتلائي وفخري واستعلائي , وسأقول لك أيها النبيل , إني ملاق حتفي حتماً .إنه لمن الوهم الحديث وكأننا موجودون أبداً , كأننا نعيش أبداً بصيغة عبدالله ونوس ومسرحيته " الحياة أبداً " . صدقني – أيها النبيل – ليس ثمة حاجة قصوى للإنسان إلا وتنتهي ميتة
أيها النبيل إني أقول لك وأشرح وأفضي وأكشف مكنوني , الزمن أداة اجتثات لا تعرف شيئاً إلا وتقصف عمره , لأن العمر زمن , ولأن الزمن فان , ولأن الآنية لا تخرج عن إطارها الزمني , أقول لك أيها النبيل إن الزمن هو اللعنة الحقيقة ومتى ما اكتشفنا زيف وجودنا سنكتشف معه زماننا
لا حاجة لي لأي منطق هنا , لأن المنطق الذي أتكلم به اقتنعت به , ولا أجزع من المجاهرة به ولو بأي حساب وثمن
أقول لك أيها النبيل , وما عساي قائل غير ما سأقول , لن تحتاج لي بعد أن فرطت من قبضتي ورحلت إلى يدي الزمن الناعمتين , يدي خشنة أعترف بذلك , لكنك الآن تنتقل من طور الخشونة إلى النعومة الزمنية المشكوك فيها
هذه مونادة مشتتة لي , تشكي حالها , لن أشكي الإملاق والضعة وقلة الحال , فلست توحيدياً جديداً كأبي حيان الشحاذ ! أنا ممتلئ صدقني رغم نحفي البادي علي , أنا واثق – كل الثقة وأقصاها – من سقوطي في هذه البركة الغويطة , أقصد هنا , بركة الزمن التي لا أجيد السباحة فيها , بل وأعجز أن أضع يدي على أنفي وأقاوم الغرق , أعجز عن كل ذلك ولا أعترف بأي من ذلك
سأبوح لك أيها النبيل – فمثلي لا يبوح كثيراً – سأبوح وأصرخ بهمس في أذنك , لا تكن واهماً كالآخرين , حاول أن تحرص على إبقاء المسافة آمنة بينك وبينهم , ففي هذا تأمين لصحتك ووجاهتك ومعنوياتك , في هذا سؤدد كبير وشموخ عال , في هذا كلام كبير لا ينقصه بلاغة ولا تدبيج
وعندما تبحث عن مونادتي التائهة أيها النبيل , سأطمئنك , لن تعثر عليها أبداً
22 / 8 / 2006
زمكان

This page is powered by Blogger. Isn't yours?