السبت، يونيو 24، 2006
يوميات الحب العادي /الورطة
جلس بجانبها، أحيانا يحلو له أن لا يفعل شيئا غير النظر إليها، كأنه يريد أن يدقق هل هي فعلا التي عرفها منذ زمن،
أخرى حلت محلها، كأنه يكتشفها لأول مرة، أو كأنه يبحث في ملامحها عن تفاصيل لم ينتبه لها من قبل. قد يحدث أن يسرح في تأمله هكذا وينسحب بذهنه إلى زوايا خفية يجهلها هو نفسه
غريب هذا الانبهار أمام رمز الأنوثة.
غريبة هذه الأنثى التي تجعله ينحني أمامها في رحلة بحث أزلية عن ماهية الوجود و سر الخلق الدفين. إن كان من إله في هذه الدنيا فالراجح أنه المرأة. في البداية كانت تستغرب من طرفه هكذا سلوكات، إلا أنها اعتادت –و ربما وجدت لذة ما- في الأمر. ثم إن الأمر يشعرها بأهميتها لديه و يؤكد لديها حاجته إليها. تجد في الأمر عزاء لعجزها عن فهمه و التجاوب معه كما تفهم و تتجاوب مع إخوتها الصغار. مع الوقت ألفت سرحاته في ملكوت ثنايا جسدها. في المحصلة ليس في الأمر من ضير، ثم مادام يسرح فيها وحدها دون غيرها، فله أن يتأمل كما يحلو له. الأمر يزيد من ثقتها أن الزواج هو نهاية كل هذه النظرات الغريبة الصامتة.
الغريب في الأمر هو أنها لا تجد في ذهنها من مانع أن ينظر إليها كما يشاء، بعد الزواج. همست في أذنه كأنها تخشى أن تفسد جمال اللحظة: - لم تأتني العادة، لقد تأخرت أسبوعا. إني قلقة.
لم يعر الأمر اهتماما، كأنه لم يسمعه، أو كأن المعني بكلامها شخص آخر. في دخيلته كان على وشك الانفجار من الضحك و من الغيض: قال لنفسه:
- هذا ما تبقي، إفلاس مزمن، مشاكل بالجملة، و هي الآن حبلىٍِِ !
تخيل للحظة دوامة المشاكل المترتبة عن الخبر السار، تنفس بعمق، و نظر إليها محاولا التقليل من أهمية ما قالته للتو
: - لا تقلقي هذه أمور تقع طوال الوقت. إنه مجرد تأخر عارض.
رمقته بعينين تائهتين. أحس أنها صدقت كلامه. هكذا هي دائما.
في بعض الأحيان ينتابه إحساس غريب بالذنب لإفراط هذه العذراء الجميلة في طيبوبة هو لا يستحقها. هو مدنس لا يستحق إلا مدنسا. لم يعرف يوما سببا لهذا الشعور بالقرف من ذاته. ربما هو مجددا ذلك الضمير اللعين الذي ينبري له في كل لحظة و حين ملوحا بشرائط المحظور و الأخلاقي و أشياء أخرى يعرفها و لا يعرف لها إسما. قرفه كبير من هذا الضمير الذي يلازمه حتى حيث لا يلازمه ظله
. - لننتظر بضعة أيام أخرى لنتأكد من الأمر أكثر. اتفقنا.
مال عليها بقبلة، كانت قبلة منفردة دافقة بدفء كل الكلمات المهموسة، قبلة غزيرة، كأنها قبلات عديدة مضغوطة. هي باردة لا تبادر هذه المرة، خطرت له فكرة. بدأ يمسح جسدها الناصع بيده. مجرد فكرة. قرر مسح كامل جسمها بيده. من رؤوس أصابع القدم مرورا بالساق الجميلة، استوقفته الساق. لم يقف لها. وصل بيده إلى الفخذ. آه من الفخذ. لو أن له أن يختار مسكنا له لسكن بين فخديها. هي ترمقه فقط. لا تتحرك. ربما كان الآن دورها لتنظر إليه كما دأب هو أن يفعل. كانت تجرب هذه النظرات علها تعرف سرها.
الموسيقى تملأ عليهما الغرفة. النافذة رغم أنها مغلقة إلا أن الضوء يمر بكثافة من زجاجها. لم تمهله أن يكمل جولته، في حركة هادئة و مرتخية أمسكت بيده ووضعتها فوق شيئها. يحس هو بالزهو. لقد قتل فيها جزءا من المرأة الشرقية. لم يعد الجنس بالنسبة لها مجرد استلقاء إلى الوراء وانتظار. لم يعد الجنس في ذهنها خجلا من النظر إلى أماكن اللذة. قتل فيها فكرة الخوف من المبادرة.
الآن هي تسير به قدما إلى ما تريد. فرك لها شيئها بنعومة، ألقى نظرة على البكارة، لازال هذا الشيء يراوح مكانه. خراء. ضمته بقوة هامسة في أذنه: أحبك. أجابها: و أنا أيضا أحبك.
استنشق عطرها و طمر وجهه في شعرها المسدول. يقول لها دائما أنه يتمنى إن كان و لا بد من الموت، أن يموت وهو جاثم على صدرها. منذ تركته و ذهبت، بعد أن سمع مزلاج الباب يغلق، غاب في حالة من النوم الخفيف، حالة وسطى بين الإغفاءة و اليقظة. لم يستطع النوم. كان يفكر في تأخر عادتها. بالرغم منه بدأ القلق يتسرب إليه شيئا فشيئا. لو علم أهلها بالأمر أكيد سيقتلونها. أحس بالخوف عليها. انطلق في تخيل كل السيناريوهات المحتملة. يتخيل نفسه في كل واحد منها و يحاول التفكير في حل للخروج من الأزمة.
أولى الخطوات التي تبادرت إلى ذهنه شراء محلول الفحص من الصيدلية، و الإشراف عليه بنفسه.مر بالصيدلية القريبة و سأل عن ثمن الفحص. 7 دولارات، لا يملك منها و لا واحدا.
اللعنة على هذا الإفلاس الذي يلازمني كضميري. اللعنة على الفقر و الفقراء الذين لا يبرعون إلا في الإنجاب بدل الإنجاز. إن جاءت نتيجة الفحص إيجابية، فستتعقد الأمور أكثر. لا يوجد طبيب يقوم بالإجهاض في المدينة. يجب عليه أن يأخذها إلى إحدى المدن الكبرى.
مشكلة. لا بل اثنتان: من أين له المال الكافي؟ ثم كيف لها هي أن تبرر غيابها عن منزل أهلها؟ أحس برأسه يؤلمه، دائما يحس برأسه يتورم عليه، قرر الذهاب لزيارة عمته، ليتناسى قليلا. يا للهول عليه أن يحتمل شغب ابنها الأصغر. يطلق عليه لقب " الجن" تمنى أن لا يكون حاضرا وقت الزيارة، أو أن تكون قد دهسته سيارة و مات. سترمقه تلك القحبة الشمطاء سعيدة بنظراتها تلك مجددا.
عليه أن يتقمص مرة أخرى دور الغبي الذي لا يفهم غمزاتها و إشاراتها الإيروتيكية المفضوحة.
عمته طيبة لكنها تخضعه لاستنطاق طويل يكرهه عن غيبته و عن الصحة و الأهل و العمل ... رن هاتفه المحمول، أيقظته الرنات من النوم، دونما عناء عرف صوت محدثته، كان صوتها متغيرا. - تعلم، لقد جاءتني العادة اليوم. - جيد، أنا مشتاق لك، هل أنتظرك؟ قالها بصوت خافت لا يخلو من شهوة. - لا لا، لن تراني قبل أن ينقطع عني الدم. رمى الهاتف جانبا و عاد لسباته. قال لنفسه: الأحسن لي أن أنام إلى أن ينقطع عنها الدم.
بائع الورود